هل أصبح العنف في تونس ثقافة مجتمعية؟
تلميذ يعتدي على أستاذه بسكين وساطور في معهد ابن رشيق بالزهراء من ولاية بن عروس وشجار بين شابين ينتهي بطعنة بسكين أمام معهد أبو القاسم الشابي بمدينة غار الدماء من ولاية جندوبة وزوجة تطعن زوجها بسكين في القلعة الصغرى من ولاية سوسة بعد إصراره على الطلاق ونزاع حول قطعة أرض يخلف 10 جرحى في تطاوين.
هذه لمحة حول بعض الأحداث التي شهدتها تونس في مختلف الجهات على مدار الأيام الثلاثة الفارطة وهي مؤشرات تدل على تنامي العنف في صفوف المجتمع التونسي الأمر الذي يستدعي تحليل هذه الظاهرة والبحث عن أسبابها وهل أصبح العنف ثقاقة مجتمعية طبع التونسي معها.
تونس تحتل مراتب متقدمة إقليميا في العنف الاجتماعي
وأكد أستاذ علم الإجتماع مهدي مبروك أن الإحصائيات تبين أن تونس تحتل منذ سنوات مرتبة متقدمة على المستوى الإقليمي العربي في العنف الاجتماعي والمقصود به العنف الذي يمارس في الشارع والمقاهي وفي مؤسسات التنشئة.
وأشار في هذا الخصوص إلى ارتفاع نسبة العنف المسلط على النساء والأطفال خلال فترة الكوفيد .
وأرجع مهدي مبروك تنامي هذا العنف الاجتماعي في تونس إلى أزمة قيم يعيشها المجتمع التونسي مبينا في هذا الصدد بأن المجتمعات التي تمر بتحولات عميقة تعيش أزمة قيم حسب المسح العالمي للقيم ولم يعد الشخص يعير اهتماما كبيرا لقيمة الإنسان والحياة البشرية.
وأضاف مبروك أن المدرسة والاعلام والنخب السياسية فشلت في تقديم بدائل قيمية من شأنها أن تعزز قداسة الذات الإنسانية وقداسة الجسد البشري.
كما فسر أستاذ علم الإجتماع مهدي مبروك تنامي ظاهرة العنف في المجتمع التونسي بغياب الحوار حيث تحول الشباب وجميع الفئات إلى جزر معزولة إضافة إلى غياب مشروع وطني ناظم مما عزز النزعات الفردانية العنفية التي تبحث عن مصالحها الخاصة وأمنها الخاص ولو على حساب الآخرين .
واشار مهدي مبروك إلى غياب سياسات اجتماعية ادماجية ورغم وجود مراكز دفاع اجتماعي وهياكل معنية بهذا الأمر إلا أنها لا تقوم بدور استباقي من أجل انتشال وادماج الفئات المهددة بالعنف والسلوكات العنفية.
وحمل مبروك مسؤولية تنامي ظاهرة العنف إلى الخطاب السياسي المتشنج الذي يصف الخصوم بالجراثيم والحيوانات وهو خطاب يلعب دورا مهما في دفع وتحريض الناس على العنف وهو ما يؤدي إلى التطبيع مع العنف.
العنف يمر بثلاث مراحل
أستاذ علم الإجتماع سامي نصر اعتبر أن العنف بإمكانه أن يمر بثلاثة مراحل أولها أحداث عابرة ومنعزلة وتتحول إلى ظاهرة اجتماعية عندما تتوفر المغذيات والظروف الملائمة وهذه الظاهرة الاجتماعية عندما تتغذى يقع التطبيع معها وتتطور إلى ثقافة عنفية.
وخلص أستاذ علم الإجتماع إلى أن تونس دخلت في مرحلة الثقافة العنفية معتبرا ما جرى من أحداث في الفترة الأخيرة إفراز طبيعي لهذه الثقاقة.
وبين سامي نصر أن مؤشرات هذه الثقافة العنفية الذي وصفها بالفيروس الذي أصاب المجتمع تتلخص في انتشار العنف في جميع الفضاءات على غرار الملاعب الرياضية والمؤسسات العمومية والخاصة ومجلس نواب الشعب ومقرات الأحزاب والجمعيات والشارع والعائلة والمؤسسات التربوية.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع بأن العنف انتشر في جميع الشرائح والطبقات الاجتماعية باختلاف تصنيفاتها فقير وغني وجاهل ومتعلم وساكن في المدينة أو في الريف وفي صفوف الرجال أو النساء والأطفال وكبار السن.
كما بين سامي نصر بأن المجتمع التونسي أصبح مطبعا مع العنف بمعنى أن حالات العنف لم تعد تثير الاشمئزاز والاستنكار الاجتماعي خاصة في ظل تفشي "الفرادانية المفرطة" التي يقابلها بالتونسي 'اخطى راسي واضرب' حسب قوله.
العنف كلغة للتسويق والماركتينغ
ويبين أستاذ علم الإجتماع بأن اللغة المستعملة في المجتمع التونسي أصبحت لغة عنفية مشيرا على سبيل المثال إلى أن المصطلحات المستعملة في معجم كرة القدم أغلبها عنفية..ركلة، صد،هجوم قذف إضافة إلى استعمال العنف كلغة في مجال التسويق والماركتينغ وتحقيق النجاح الاقتصادي من خلال استعماله خاصة وأن العديد من الومضات الإشهارية تستبطن في داخلها الرسائل العنفية.
العنف أصناف ودرجات
وأفاد أستاذ علم الإجتماع سامي نصر بأن دراسة أجراها حول سوسيولوجيا العنف والجريمة في تونس خلصت إلى إمكانية تقسيم العنف من حيث درجة الخطورة إلى 3 أصناف أو3 درجات.
وحدد نصر العنف من درجة أولى في عنف انفعالي بمعنى فعل ورد فعل وهو أضعف أنواع العنف إلا أن عملية استسهاله وتقبله من الطرف المخالف يشجع على إعادة اللجوء إليه الأمر الذي يؤدي إلى الانتقال إلى العنف من درجة ثانية الذي حدده في العنف التعبيري بمعنى التعبير عن الغضب بالعنف وصولا إلى الدرجة الثالثة من العنف التي أسماها بالعنف الوسيلي بمعنى تحقيق أهداف عبر العنف.
وأشار في هذا الخصوص إلى أن الأحزاب والجماعات والحركات الإرهابية التي تريد تغيير أنظمة الحكم باستعمال القوة، تصنف في خانة العنف الوسيلي مبينا في الوقت نفسه بأن هذا الفكر الخطير موجود حتى في العائلة التونسية من خلال استعمال العنف كوسيلة لتربية الأبناء.
إستراتيجية وطنية لمناهضة العنف
وبين أستاذ علم الاجتماع سامي نصر أن العنف كمجرد أحداث عابرة له علاج وعندما يتحول إلى ظاهرة اجتماعية له علاج وعندما بتحول إلى ثقافة مجتمعية يصبح البحث عن حلول وعلاج مهمة صعبة.
وأكد سامي نصر أن حالة العنف المستشرية في المجتمع التونسي تستوجب حلا وعلاجا إستراتيجيا وعاجلا مبينا في هذا الخصوص ضرورة ارساء إستراتيجية وطنية لمناهضة العنف وهي خطوة لا تتطلب الكثير من الوقت ولا تكلف الدولة الكثير من الامكانيات وإنما تتطلب فقط توفر الإرادة السياسية.
كما بين أنه يمكن الانطلاق في تنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف من خلال مؤتمر وطني وطني في شكل ورشات تجمع كل الأطراف المعنية بالعنف مهمتها تقديم توصيات بهدف محاربة العنف الذي أصبح يهدد المجتمع التونسي.
*كريم وناس